" لأن كل شيء يحدث بعد القهوة" دعونا نشرب كوب قهوتنا وأحدثكم عن رحلة البحث عن الذهب الأسود، رحلة البحث عن البن الأثيوبي .
يعتبر البن الإثيوبي واحداً من أهم الصادرات والسلع التي تقوم إثيوبيا بتصديرها، وهي من السلع التي تحقق انتعاشاً للبلاد، حيث تصدر القهوة الإثيوبية إلى العديد من البلدان من ضمنها السعودية واليابان وأمريكا وأستراليا.
ومع وجود هذه المساحات الشاسعة من الأراضي المناسبة تماماً لهذه الزراعة، والمناخات والارتفاعات المناسبة سعت إثيوبيا إلى استغلالها، بل وطورتها على الرغم من الصعوبات الكبيرة التي تلاحقها.
ومما لا شك فيه ان البن الإثيوبي واحداً من الأنواع الفاخرة،ويحمل معه تاريخ عريق، وفي مقالنا هذا سنتحدث عن أكثر أنواع البن الأثيوبي فخامة وعن تاريخ القهوة الإثيوبية.
القهوة الإثيوبية واكتشافها:
تقول الأساطير القديمة أن القهوة بدأت في إثيوبيا، حيث تروي الحكايات أن هناك راعٍ إثيوبي، لفت نظره النشاط الغريب الذي لحق بقطيع الماعز، ويُحكى بأن الماعز راحت تتراقص يميناً وشمالاً بعد أن أكلت من ثمارٍ لشجرةٍ ما ، وما كان من راعينا الفضولي إلاّ أن تتبع خطى الماعز، وأكل من ذات الثمرة، وإذ بالنشاط يدّب في أوصاله، ولاحظ انه تمكن يومها من السهر إلى فتراتٍ طويلة وتمكن من الإنجاز بشكلٍ أفضل.
نقل الراعي هذه التجربة بحذافيرها إلى الكهنة، الذين نبذوا هذه النبتة بدايةً، بل وقاموا بحرقها، إلا انهم تنبهوا أثناء الحرق لرائحتها الشديدة العذوبة والجمال، فما كان منهم إلا أن حاولوا أن يطفؤوا هذه النار.
ووضعوا البواقي المحترقة في إناءٍ محكم الإغلاق،وغطوه بالماء الساخن لحفظه
وبعد عودتهم تذوقوا المنقوع الناتج عنها، كان لذيذاً بشكلٍ لا يصدق، واكتشفوا أنهم تمكنوا من السهر والتنسك والعبادة لساعاتٍ طويلة من الليل ، فاكتشفوا سرّ الذهب الأسود.
هذه الصدفة هي بدايةً أسطورة القهوة الإثيوبية.
القهوة الاثيوبية وتفاصيل الحياة اليومية:
كان لا بد لي وأنا (عاشق القهوة )أن أذهب في رحلةٍ استكشافية إلى المنبع الأساسي، إلى موطنها الأصلي، أن أرى وأتذوق حبوب (الأربيكا) وهي مغامرة سيعتبرها الكثيرون غريبة، ولكن محبي القهوة سيدركون تماماً ما أتكلم عنه.
القهوة في إثيوبيا غير مكلفة ، وهم يقدمونها في جميع المناسبات وفي كل الأوقات، ويتغنون بها وبسحرها الأسمر الفاتن.
يمكنك ان تستلذ بها على الطرقات، في المقاهي وأمام البيوت، إنها مدينةٌ برائحة القهوة.
في إثيوبيا هناك طقوسُ لتقديم وتحضير القهوة، أنتَ أمام رحلةٍ تربك الحواس وتنعشها.
تبدأ رحلة تحضير القهوة الإثيوبية عن طريق وضع حبات البن على طبق من الفخار لتجف، ومن ثم تحمّص بطبقٍ معدني ممتد الأطراف.
كل هذا يحدث أمام ناظريك وعلى مرأى منك، ومن ثم تمرر هذه الآنية على الجالسين ليشتموا رائحة القهوة، بعدها تطحن هذه الحبوب بمدقٍ يدوي، وتوضع في إبريق القهوة التقليدي.
ويتم عادة وضع البخور أثناء شرب القهوة وذلك تماشياً مع الأسطورة التي تقول أن "القهوة لا تُقاوم لدرجة أنها تجذب الجن الغير مرئيين" فوضعوا البخور لطرد الجن الغير مرئيين في حال تجمعوا حول كوب القهوة وسولت لهم انفسهم ان يشاركوهم الجلسة.
وهكذا يتمتع الإثيوبيين بجلسة قهوةٍ متكاملة، جالسين على الأرض، التي افترشوها بالقش.
أجود أنواع البن الإثيوبي:
تجولتُ في إثيوبيا وزرت الكثير من المزارع والمحامص الخاصة بالقهوة، ستجد العديد منها المنتشر على مساحات واسعة.
تقوم كل مزرعة من المزارع بتقديم نوعه الخاص من البن الإثيوبي، وترى المقاهي مجهزة بطاولاتٍ صغيرة دائرية متواضعة.
تذوقت في رحلتي هذه الكثير من أنواع البن الإثيوبي الممتاز منها:
· قهوة هامبيلا:
تنتمي هذه القهوة إلى سلالة هيرلوم الرائعة، تتمتع بنكهة غنية ومميزة، ومما ساعد في إضفاء هذه النكهة وتعزيزها هو نموها على ارتفاعات تبلغ ما يقارب(1800-2000)م وهو الارتفاع المثالي لنمو حبيبات قهوة هامبيلا، أما التربة التي تنمو فيها فهي بركانية غنية بالمعادن، و طقس هذه المنطقة غزير الأمطار،وتتميز بتضاريس جبلية شديدة الانحدار.
من المميز جداً في قهوة هامبيلا هو هذه الإيحاءات الآتية من العنب، والخوخ وزهرة الياسمين.
وتعتبر قهوة هامبيلا أفضل أنواع القهوة المجففة في العالم، إنها مثالية جداً لمن يبحث عن كوب من القهوة يرضي مزاجه، وغن كنت تبحث عن التجربة الإثيوبية في تناول القهوة، فإن محمصة "فن التحميص" توفرّها لك.
·
قهوة شلشلي:
نوع من أنواع البن الإثيوبي المعالج بالتجفيف، سميت بهذا الاسم نسبةً للقرية التي تنمو فيها (شلشلي)، وهناك ارتفاعاتٌ يجب ان تنمو فيها، لتجود علينا بنكهتها الرائعة المتوازنة، فلا تقل هذه الارتفاعات عن (1800) متر.
تتميز قهوة شلشلي أنها من أنواع القهوة الإثيوبية مليئة بإيحاءات الكرز والخوخ وزهرة الياسمين، وهي ذات حمضية متزنة ووتواجد لدينا في محمصة " فن التحميص" يمكنك تذوقها والاستمتاع بمذاقها الشهي.
· قهوة أوراقا:
وهي قهوة إثيوبية، تأتي هذه القهوة من منطقة قوجي، وتنحدر من سلالة هيريليوم، يستخدم في تحضيرها الطريقة المجففة، تحتوي على إيحاءات من الكرز، التوت، العنب والخوخ.
وهي من أنواع القهوة ذات المذاق الساحر، تنمو على ارتفاعات (2300)، ذات حلاوة متجانسة، وتعتبر الأفضل من بين أنواع القهوة.
تعتبر القهوة الإثيوبية اكسير الحياة عند الإثيوبين، ومهما كانت سياساتك ومعتقداتك واتجاهاتك هنا، لا زالت القهوة هي الملاذ الأول والمشترك وهي صديق الصباحات الأول، ونديم ليالي السهرات الطويلة.